21 - 06 - 2024

تعا اشرب شاي | العبوا مع بعض يا أوﻻد

تعا اشرب شاي | العبوا مع بعض يا أوﻻد

(أرشيف المشهد)

  • 31-3-2015 | 21:59


وكأن العرب قد إستيقظوا فجأة فوجدوا أنفسهم شيعة و سنة ، ثوارا وفلوﻻ ، شماﻻ وجنوبا وإذ فجأة أيضا يضربون كرسى فى الكلوب وينزلوا فى بعض "فرتكة" يا معلم وﻻ أحد منهم يرى أمريكا "المسخناتية" بينهم ، وأى عاقل يحاول أن يخلصهم فلا بد أن ينوبه جزءا ليس يسيرا من قشرة البصلة ، فهو إما غبى أو خائن وعميل .

هناك أسرة وقعت فى نفس هذا المأزق تذكرتها اليوم.

من أصعب المهام على قلبى تقديم واجب العزاء، فأنا شخصية ضعيفة جدا وﻻ أقوى على رؤية أهل المتوفى وهم ينتحبون أمامى، وعادة ما ألملم كل أنواع المناديل الورقية التى تقابلنى فى اﻹشارات و أنا فى طريقى إليهم وأضعها فى حقيبتى تحسبا للأمطار الرعدية التى ستهطل من عيني فى ذلك اللقاء. 

إلا هذا العزاء، عندما وصلت سلمت على الحاضرات و كانت زوجة الفقيد فى حالة يرثى لها والكل راح يواسيها بحرارة، جلست إلى حيث إنتهى بى المطاف وأخذت اذرف الدمع الغزير فى حزن بالغ، مر أحد عمال الفراشة بزجاجات المياه فتناولت واحدة وكنت بصدد ابتلاع شربة ماء وإذ فجأة تنهدت إحدى السيدات قائلة وهى تتثاءب إيييبببه الله يرحمه كان مسلى أوى، فنظرت إليها أختها معاتبة وقالت وهى تهمس لها : إيه مسلى دى؟ إنتى جاية تعزى فى قطة! !

كدت أن أقع على اﻻرض من فرط الضحك إﻻ أن أحدا لم ينتبه لذلك من حسن حظى فقد إندفع الماء من فمى وتناثر على وجوه السيدات أمامى، ورحت فى شرقة طويلة وأخذت أسعل بشدة فملت للأمام حتى ﻻ تلحظ إحداهن أننى أضحك بينما تبرعت بعض السبدات بضربى على ظهرى لتذهب عنى الشرقة، و قد تبادر إلى أذهانهن أنى أبكى ﻷننى تذكرت أحد أحبابى من الذين رحلوا وتأثرت فراحت كل سيدة تواسينى بكلمة، ما تعمليش فى نفسك كدة، كلنا لها. .....الخ ،ظللت على هذا الحال إلى أن سيطرت بصعوبة على نوبة الضحك التى إنتابتنى، إعتدلت وقد إمتلأت عيناى بدموع 3 × 1 دموع البكاء ودموع الضحك ودموع الشرقة معا.

حاولت قدر المستطاع أن أتناسى ما حدث حتى ﻻ أنخرط ثانية فى الضحك، بينما كانت ترمقنى بغضب من حين ﻵخر سيدة عرفت فيما بعد أنها أخت المرحوم .

لم تمر فترة طويلة وإذا بأحدهم يدخل حاملا عددا من المصاحف رحمة ونور على روح المتوفى ، أخذت نسختى بينما كانت تستأذن صديقة كانت تجلس بالقرب منى ، حاولت أن أثنيها عن الذهاب ﻵخذها معى فى طريقى، إﻻ أنها إعتذرت ﻹرتباطها بموعد تحفيظ قرآن فى أحد المساجد، فأعطيتها نسخة المصحف التى معى لتضعها فى المسجد فلدى الكثير فى البيت و أعرف أنه لا يجوز ترك المصحف دون قراءة،  أخذته منى وهمت باﻹنصراف وإذا بالسيدة هذه المرة تعتدل وكأنها تستعد كى تلكمنى فى وجهى فخمنت على الفور أنها غاضبة ﻷنى غير مهتمة بالمرحوم و رفضت أن أهبه ثواب القراءة، أخذت أنظر إلى السيدة من طرف خفى متوقعة أن تسألنى فى آية لحظة : إنتى جاية تعزى وﻻ جاية تهرجى؟  و بالطبع لن يكون ردى كرد يحيى الفخرانى : بصراحة أنا جاية أهرج، عيب ..عيب ..عيب.. فرغم كل ما حدث إﻻ أننى لم أصل بالطبع لهذه الدرجة من التهييس ، .... أكيد كنت سأخترع شيئا آخر .. مثلا ممممم أنا جاية أجيب أومو ، و قررت فى هذه اللحظة أن أسرع الخطى خلف صديقتى ﻷقول لها بصوت عال كى تسمعه تلك السيدة: إنتظرى نسيت مصحفى معك، وإقتربت منها ﻷسترده بينما هى فى دهشة من أمرى فقلت لها بصوت منخفض : عايزة أردد مع المقرئ، فإزدادت دهشتها و قالت: دا خلص وبيقرأ اﻵن فى الفاتحة، فرددت دون تفكير : أيوة ما أنا نسيت منها كذا آية ، أحسست أن صديقتى ستقع عيناها من مآقيها هذه المرة من فرط الدهشة. .... الحقيقة أننى وقتها لم أنس آية فقط، فأنا نسيت آية ومها وعفاف وفاطمة و محمد وعبد الظاهر وأبو تريكة، ﻻحظت صديقتى ارتباكى فإصطحبتنى معها إلى الخارج لتطمئن على.

حكيت لها الموقف سريعا ، فإذا بها تفجر القنبلة : أكيد الست كانت منتظرة غلطة من معارف الزوجة حتى تجدد الاشتباك معها.

عرفت سريعا من صديقتى أن الخلافات مشتعلة بين أسرة الفقيد وأسرة زوجته وأن أبناء المرحوم قد تفرقوا بين اﻷسرتين ، فمنهم من إنحاز ﻷهل والدته ومنهم من تضامن مع أهل الوالد ، وكان النزاع بينهما على إرث قديم و قد تجدد الخلاف مع وفاة الزوج فهما "الزوج والزوجة" أبناء عم وكان بينهما شخص يعمل بالمحاماة يشعل النار كلما خبت جذوتها ﻷنه مستفيد بالطبع من هذا النزاع، المهم أننى تشبثت بصديقتى وطلبت منها أن تدخل معى ﻷسلم على الزوجة المكلومة وننصرف معا فى سلام، فإذا بنا نرى مشهدا غاية فى الغرابة ، إنقسمت خيمة العزاء فى لحظات ، جزء يخص الزوجة وأقاربها ، و جزء يخص أهل الزوج ، فقد إنتهزوا فرصة إنصراف المعزين ليبعد كل فريق عن اﻵخر.

بعد أن إنقضت الليلة تدخل أحد العقلاء ولكنهم لم يتفقوا إﻻ على أمر واحد وهو أن يجنبوا ذلك المحامى مهمة الدخول فى نزاعات قضائية توفيرا للنفقات ، وتفرقا تماما حتى أن أبناء المرحوم الموالين ﻷهل أبيهم قد إنصرفوا معهم ، بينما بقى اﻷوﻻد المنحازين للأم معها ، أما أكثر المتضررين من هذا الحل فقد كان ذلك المحامى اللئيم الذى ذكرتنى طلعته البهية بهيئة إستيفان روستى وهو يمارس أدوار الشر فى فيلم ابيض وأسود قديم.

ببساطة شديدة : ما دمتم مصرين على تأجيج حدة اﻹنقسامات فلا أقل من أن توفروا ثرواتكم وتجنبوا أبناءكم ويلات الحروب وتخرجوا ألسنتكم لشيخة المنصر أمريكا، و بدﻻ من أن ينقسم كل فى دولته على حدة ، إفعلوا كما فعل أهل الفقيد ، ليجتمع حوثيو اليمن مع مالكيي العراق مع أسود سوريا فى منطقة واحدة وليجتمع أهل السنة فى منطقة أخرى وكفى الله المسلمين شر القتال.

العالم كله قد عرف مصلحته وتصالح مع اﻵخر أو على اﻷقل تظاهر بذلك إﻻ أنتم ، حتى اليهود تصالحوا مع المانيا النازية وخلافاتكم ما زالت قائمة منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام ﻷن سيدنا أبا بكر وعمر وعثمان قد تولوا الخلافة قبل سيدنا على رغم أنهم جميعا وهم أصحاب الشأن لم يختلفوا أو يعترضوا و اﻷنكى من ذلك أنهم ماتوا وقد قامت دول وإنهارت دول وأنتم ما زلتم على حالكم ، خلاف على أمر قد ولى وإنتهى منذ مئات السنين..... إلعبوا مع بعض يا أوﻻد.

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف





اعلان